[
لقد سجل المغرب أكبر نسبة أمية في المغرب العربي ، والسبب الرئيسي في هذه الكارثة يرجع بالأساس إلى نفور الأطفال من المدرسة، حيث بلغ عدد الأطفال الغير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة بالمغرب أزيد من 300 ألف طفلة وطفل. كما بلغ عدد التلاميذ الذين غادروا المدراس المغربية عام 2006 حوالي 370 ألف تلميذ، وحسب الإحصاء السكاني الأخير لعام 2004 فإنه يوجد نحو عشرة ملايين أمي، فضلا عن أكثر من مليون طفل بين سن 9 سنوات و 14 سنة خارج مقاعد الدراسة. وبالإضافة إلى هذا الرقم المخيف من الفتيان الأميين هنالك 400 ألف طفل يتركون المدرسة سنويا.
لقد ترك مقاعد الدراسة في الموسم الدراسي 2005-2006 حوالي 216176 طفلا ، أي ما يمثل 6 % من عدد الأطفال المسجلين خلال 2006 ، وتعتبر الفتيات أول ضحايا أول ضحايا الخدر الدراسي بالمغرب بنسبة %58.4 وأطفال البادية بنسبة 80 % ،و 40 % من الأطفال المغادرين للمدارس ينتهي بهم المطاف إلى امتهان مهن وضيعة. وحسب آخر إحصاء فقد وصل عدد الأطفال الذين غادروا مقاعد الدراسة إلى عشرة ملايين و 18 ألف طفل.
إنها أرقام مخيفة تدق ناقوس الخطر وتجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام..
- لكن ماذا نتوقع من التلميذ الذي يجد نفسه مرغما على الدراسة لبضع سنوات في فصل يتجاوز فيه عدد التلاميذ 50 تلميذا ونطلب منه التركيز والانتباه وحب المدرسة والحصول على نقط مرتفعة ؟؟؟
- ماذا نتوقع من طفل البادية الذي يقطع على رجليه في عز الحر وقساوة الشتاء والبرد عشرات الأميال للوصول كل يوم إلى مدرسته ثم يعود في المساء ليساعد أباه الفلاح في الحقل ونطالبه بعد ذلك أن يحب المدرسة وألا يتأخر في تنفيذ واجباته المدرسية ؟.
- ماذا نتوقع من فتاة البادية التي يغرس فيها والدها منذ الصغر أن تعليمها بعد الشهادة الابتدائية ( حشومة كبيرة ) لأن مصيرها الحتمي هو الزواج في كل الأحوال ؟ وكيف يمكن إقناعها بالحرص على مواصلة تعليمها ما دامت قريتها الصغيرة لا تتوفر أصلا على مدارس للتعليم الثانوي ؟
- ماذا نتوقع من المعلم الذي يضطر لأداء وظيفته، إلى السفر للقرى النائية والسكن طوال السنة الدراسية في نفس الدرس الذي يدرس به، وتحمل قساوة العيش في قرى تنعدم فيها ابسط وسائل العيش الكريم ونطالبه بعد ذلك أن يخرج لنا جيلا من المبدعين والمتفوقين ؟
- وكيف نقنع أجيالنا القادمة بأن مستقبلهم كله رهين بالتحصيل العلمي والجد والمثابرة وهو يرى أخوته وأبناء عائلته الذي أنهوا مسارهم الدراسي ويحملون أعلى الشهادات ويستجدون العمل منذ عدة سنوات، وكيف نعيد إليهم الثقة في أهمية التحصيل العلمي واعتباره المنفذ الوحيد للوظيفة ؟؟
- كيف نقنع الأب الفقير الذي لا يتعدى دخله الشهري ألفي درهم أن يسجل أبناءه الخمسة والستة في المدراس ، وأن يتحمل نفقات تعليمهم الباهظة لسنوات طويلة ، وكيف نقنعه أن النتيجة ستكون في صالحه في نهاية المطاف بعد أن يكبروا ويتخرجوا وهو يعلم اليقين أن تخرجهم لا يعني سوى بداية مسلسل طويل من العطالة والانتظار ؟
إن الهدر المدرسي يؤدي بالضرورة إلى انتشار الأمية بين الشباب ويعود بالمجتمع كله إلى عتمة الجهل والتخلف والانعزالية ومواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح، والنتيجة المباشرة للأمية هي من دون شك استفحال البطالة التي ترغم الشباب على الهجرة إلى أوروبا ، وانتشار الجريمة والرغبة في الربح السريع عن طريق القيام بأنشطة غير مشروعة، وعلى الصعيد الاقتصادي فقد بنيت دراسة أنجزتها كتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية بتعاون مع اليونسيف حول الآثار السلبية للانقطاع عن الدراسة بالمغرب وارتفاع الأمية في صفوف أبنائه، أن البلد يفقد كل سنة مئات الملايين من الدراهم، وأن كل سنة يقضيها الطفل بالمدرسة الابتدائية كفيلة بتحقيق 12.7 % من رفع مستوى الدخل مقابل 10.4% بالمدرسة الثانوية .
لقد حان الوقت لكي تتدخل الدولة بكل ثقلها لمحاربة هذه الكارثة الاجتماعية التي تفرز أجيالا من الأميين والمهمشين والعاطلين عن العمل ، هؤلاء المهمشون الذي عانوا من ويلات الهدر المدرسي يبحثون اليوم عن ( الهدر الوطني ) أي ترك وطنهم والبحث بكل السبل عن وطن جديد يضمن لهم الحق في العمل وتحقيق حلم الزواج وتكوين أسرة.
فمتى تتدخل السلطات المعنية بالأمر لوقف هذه الكارثة ؟ هذا هو السؤال ؟
الجمعة ديسمبر 05, 2008 4:18 pm
